عندما نظرت في الصباح الباكر إلى شاشة هاتفي الجوال، لم أصدق ما تراه عيناي، إنه مشهد من أفلام الرعب الخيالية، صورة خطيبتي رجاء، التي توفيت منذ أسبوع، ولقد بدا وجهها بلون نيلي قاتم، وبدأت عضلاته البنفسجية المائلة إلى السواد بالتحلل، فظهرت من بعض فتحات بشرتها المتآكلة لثتها البنية الغامقة، وأسنانها البيضاء المصفوفة بشكل متناسق. كانت عيناها غائرتين في وجهها، وهي تتحدث إليّ وكأنها مسلوبة الإرادة. أغلقت هاتفي بعجلة من شدة خوفي، وحاولت أن أتناسى هذا المنظر، نزلت من بيتي بسرعة، وسرت في شارع كليمنصو، متجهاً إلى وظيفتي الحكومية في مديرية مالية بيروت. في أثناء مروري على الرصيف، كنت أراقب وجوه المارة بتمعّن، وأركز على مظهر آذانهم وعيونهم، لأنني شاهدت منذ فترة قريبة على التلفزيون فيلماً سينمائياً، يدور حول مخلوقات فضائية تهبط على كوكب الأرض، تقتل الناس، ثم تقوم بتقمّص شخصياتهم، ولكي تتمكن من المحافظة على شكلها البشري طوال الوقت، فلا بد لها من أخذ حقنة بالعضل كل ثماني ساعات، من دواء خاص، جلبته معها من خارج مجرتنا الأرضية، على الرغم من كل هذا، فإنها أحياناً لا تستطيع السيطرة على هيكل أذنيها، فتظهر في بعض الأحيان على طبيعتها الأصلية، بشكل مثلث متساوي الأضلاع، إضافةً إلى منظر عينيها، حيث تبدو القزحية حمراء، أما بياض العين حولها، فيكون بلون أخضر فاتح، كنت بحاجة إلى اصطياد واحد من هذه المخلوقات، لكي أسلمه للشرطة، لأفضح شبكة المخلوقات الفضائية التي تحاول أن تسيطر على عالمنا. لحسن حظي شاهدت رجلاً أمامي يسير بطريقة غريبة، وهو يحاول أن يسرع في مشيته، فشككت فيه، وسرت وراءه، حتى وصلنا إلى مبنى مديرية المواصلات، فدخل البناء مسرعاً، ولم يتوقف لانتظار المصعد، بل اندفع مباشرةً صاعداً الدرج، فتبعته، وقد ازدادت شكوكي حوله، حتى وصل إلى الطابق الأول، فاتجه فوراً إلى دورة المياه، فتسللت خلفه، دخل إلى غرفة المرحاض الصغيرة، وأغلق على نفسه الباب، فتأكدت بلحظتها بأنه خٓشَّ فيها، ليحقن نفسه بالإبرة، لتساعده على الاحتفاظ بشكله البشري، قرعت عليه باب المرحاض فلم يفتحه، فهجمت على الباب، ورفسته برجلي محاولاً تحطيمه، لألقي القبض على الفضائي بالجرم المشهود. لا أدري كيف اجتمع عليَّ عدة رجال في الغرفة، وأمسكوا بِي، وحاولوا أن يمنعوني من تنفيذ مهمتي بإنقاذ البشرية، جربت أن أقنعهم، بأن الشخص الذي في داخل غرفة المرحاض رجل فضائي، لكنهم لم يصدقوني، واستدعوا سيارة النجدة، التي قامت بنقلي إلى مخفر الشرطة في نهاية الشارع، وقام ملازم أول بالتحقيق معي، لقد تأكدت من أسئلته المخادعة، بأنه مخلوق شرير فضائي متحول، حاول أن يدافع عن مدير الشؤون الإدارية الذي كان في غرفة المرحاض، بتمييع الموضوع لإبعاد الشبهة عنه، كما لاحظت بالوقت نفسه، بأن شكل أذنيه ليس طبيعياً. بعد الظهر تم نقلي إلى مستشفى الأمراض العقلية بالحازمية، حيث قابلت أحد الأطباء، وشرحت له قصة الفضائيين الذين يحاولون أن يسيطروا على كوكبنا، بدلاً من أن يصدقني ويتحرى عن الموضوع بشكل علمي دقيق، طلب من الممرضة أن تعطيني إبرة مهدئة للأعصاب، فتأكدت بما لا يقبل الشك بأن الطبيب متواطئ مع المخلوقات الفضائية، لكن عندما اقتربت الممرضة مني وبيدها الإبرة، نظرت إلى أذنيها، فبدت بشكل مثلث متوازي الأضلاع، أما قزحية عينها فهي حمراء بلون الدم، تحيط بها هالة خضراء فاتحة، بلحظتها أدركت بوضوح، أنه قد فات الأوان، لقد سيطرت هذه المخلوقات الفضائية على كوكب الأرض.