إلى ولديَّ منير وعمر اللذين شجعاني على الاستمرار في
متابعة حياتي اليومية بشكل عادي بعد تقاعدي عن العمل،
وإلى كلِّ الأصدقاء الذين شجعوني وألهموني إشباع هوايتي
بكتابة القصص القصيرة، ثم ساعدوني في مختلف مراحل
العمل لتحويل هذه الهواجس والأحلام إلى كتاب مطبوع،
أتقدم بخالص شكري ومحبتي لكم.
الأفكار الغريبة التي لا تخضع للمنطق، تتسرب أحيانًا إلى عقولنا رغمًا عنا، فلا تلبث إلا أن تتحكم فينا، لأنها تتوافق مع مصالحنا الشخصية ورغباتنا المقموعة، فنجدها بعد فترة، وقد تحولت إلى هواجس، لا تنفك عن مطاردتنا، حتى تسيطر علينا، فنصبح عبيدًا لها، وخصوصًا إذا لم نجد في تلك اللحظات من يقف إلى جانبنا، لينقذنا من هذه الضغوط النفسية الرهيبة التي نرزح تحتها.
ليـس هنـاك خـط فاصـل بيـن الأشـكال الحيـة والجمـاد، ومـــن ثـــَّم لايوجـــد خـــٌّط فاصـــل بيـــن مـــا هـــو حـــّي، ومـــا هـــو ميـــت.
لقد أثبتـــت الفيزيـــاء الحديثـــة مـــن خـــال تجربـــة الشـق المـزدوج للعالـم يونـغ، أن الإلكتـرون يسـتطيع أن يغّيـر سـلوكه فـي أثنـاء سـير التجربة، فيمـا لـو شـعر بأنـه تحـت المراقبـة، نتيجـة لخيـارات غريزيـة بدائيـة للغايـة فـي تكوينـه، قـــرارات يتخذهـــا كل إلكتـــرون فـــي كل لحظـــة حـــول مكانـــه وكيفيـة ظهـوره، فنسـتنتج أن الإلكترونـات قـد تمتلـك نوعـًا مـن العقـل البدائـي، وهـي واعيـة لمـا يجـري حولهـا، وهـذا يفـرض بوجـود شـكل مـن أشـكال العقـل، داخـل المـادة التـي نشـاهدها أمامنـا، وعلـى الرغـم مـن أن المـادة الجامـدة لا تتطـور مـع مـرور الزمـن، مثـل المـادة الحيـة، لكنهـا قـادرة علـى أن تقـوم بأمـور معينـة، وتصرفـات محـدود كـردة فعـل عـن القـوى الخارجيـة التـي تحـاول التأثيـر فيهـا، مـا يدفعنـا لنتصـــور أن الخـــط الفاصـــل بيـــن الواقـــع والخيـــال ضبابـــي، ويمكننـا بسـهولة تجـاوزه.
هنـاك اعتقـاد شـائع منـذ قديم الزمـان، عنـد الذين يمارسـون الّسـحروالمؤمنيـن بـه، بـأَّن قـوة الدمـاغ قـادرة علـى أن تتداخـل مـع واقعنـا الحالـي، وأنهـا بمسـاعدة بعـض التعاويـذ، تسـتطيع اسـتحضار كيانـات خفّيـة مـن العالـم الثانـي، تمكنهـا مـن التأثيـر فـي طبيعـة المـادة المحيطـة بنـا، لكـَّن الصعوبـة تبقـى دائمـًا فـي التنّبـؤ بنتيجـة هـذه العمليـة.
لربمـا تغيـرت بعـض الأمـور أثنـاء ممارسـة طقـوس الّسـحر، وأثــرت بدورهــا فــي أخــرى، مــا ســيؤدي بالنهايــة إلى تغييــر النتيجــة بأكملهــا.
أمين الساطي معادلة جديدة في عالم القصة القصيرة، كاتب ذكي، قرأ كثيراً، واختزن أكثر في عقله الباطن تجارب حياة بين حبٍّ وحرمان وصعود وهبوط وأخذ وعطاء، تراه كمن يهبط من قمة جبل إلى وادٍ سحيقٍ شالاً أحمرَ يلتهب، تكتشف أنه لم يكن إلا شجر غابات أحمر عتيقاً، يشتعل في أعلى الجبل، ويتدحرج إلى الوادي ذرات وهباباً، فتظنه شالاً أحمر مسحوراً، منظرٌ أخّاذٌ يدهشك، لا تملّ أن تذهب كل مساء لتعاود الفرجة، فالعيش بين الوهم والخيال فسحة هروب تشرد معها إلى عوالم تسحبك إلى دواخلك الخفيّة، تحاول أن تكتشف فيها ما خبّأه الوهم فيك، لعلك تنجح في أن تفسر فتقتنع، ولا تكاد أن تُقنع نفسك بتفسير، حتى تعاودك الظنون والشكوك. أمين الساطي ليس كأكثر من يكتب في أيامنا هذه، قرأ كثيراً وطوياً، ثم نشر، لا كمن ينشر سريعاً، ثم يقرأ، وهو دائماً وفي كل قصة يكتبها يُحضّر للقارئ خلطة نادرة، مكوّناتها أسرار يخبئها في خفايا نفسه المرهفة، لم تكن الحياة عنده فرجة، بل فعل أكسبه مهارة فكِّ الكثير من ألغازها، فيخيَّل إليك أنه بطل كلّ قصة يكتبها.
الكاتب والإعلامي منير جبان